النخبة الناطقة بالعربية في نيجيريا بين محدوديّة الطموح ولامحدوديّة الفرص


محمد قدم صدق عيسى

(Daddy)

قد لا أبالغ إذا ادّعيت أن الشريحة الناطقة باللغة العربية في شمال نيجيريا أكبر حجما وأكثر شغفا باللغة من نظيراتها في المجتمعات غير العربية وغير المستعربة في العالم. بل إن النخبة منها بصفة خاصة في كانو أو زاريا، مثلا، لا تقل تمَكُّنا حتى من المتخصصين في اللغة من العرب الأقحاح في القاهرة أو الرياض، مثلا. وهذا يعود إلى الانبهار الشعبي باللغة الناتج عن عوامل تاريخية ودينية وثقافية، حيث إن بداية اتصال المنطقة بالحضارة الإنسانية كان بالعرب منذ مئات السنين.

كما كانت هذه العوامل وراء انبهار الجماهير بعلماء الدين وطلبة العلم، بل واعتبار كل من له قدر من المهارة في اللغة العربية عالم دين.

لكن مع محدودية طموحات هذه الشريحة، أصبحت النجومية في الساحة الدعوية التقليدية الطموح الأكبر بالنسبة لنسبة كبيرة منها، على أقل تقدير، وسٌلّمها الوحيد نحو المناصب الإدارية أو الإشرافية على بعض الجهات الحكومية المعنية بالشؤون الدينية. فصار كل هبّ ودبّ ممن له - أو يعتقد في نفسه - التمكن في اللغة العربية يخوض في علوم الدين، ويتصدر المجالس مفتيا وناقدا ومستدركا، بل ومتحديا، جريا وراء النجومية، حتى أصبح العوام، بل وكثير من غير العوام ايضا، لا يميزون بين عالم دين ومجرد متمكن في اللغة العربية. إذ أن مجرد التمكن، بل حتى التخصص فيها، لا يعنى بالضرورة أهلية التصدر للفتيا واعتلاء المنابر. وطبعا، ظهر التنافس على النجومية وطغت لغة الحقد المتبادل بين كثير من الدعاة.

بينما هناك مجالات أخرى كثيرة يمكن الانخراط فيها بدون الإخلال بالرسالة الدعوية، بل تخدمها وفى نفس الوقت تجلب مصالح أخرى.

فعلى سبيل المثال، بإمكان النخبة من هذه الشريحة تأسيس مؤسسات فكرية هادفة للربح تُعنى بإعداد بحوث ودراسات حول قضايا ومستجدات بأبعادها المتعلقة بمصالح وتحديات الشعوب المسلمة في نيجيريا وإفريقيا، وإعطاء استشارات للحكومات والمنظمات المحلية والدولية، والتعاون مع نظيراتها من المؤسسات الفكرية والجامعات في العالم العربي وأروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

كما يمكنهم أيضا – بمشاركة الخبراء - تأسيس مكاتب استشارات اقتصادية واستثمارية وتجارية لجذب الاستثمارات من الدول العربية في المجالات الزراعية والصناعية والأكاديمية وغيرها، واعداد دراسات جدوى مع متابعة الإجراءات البيروقراطية وغيرها من الخدمات الضرورية للحصول على التراخيص الرسمية اللازمة. وبالفعل، لدى أصحاب العلاقات في الدول العربية من هذه النخبة فرص أفضل في هذا الجانب بالذات، حيث بإمكانهم الإستفادة من هذه العلاقات ليس فقط في جذب المشاريع الخيرية كما يفعل بعضهم، بل وفى جذب الاستثمارات أيضا.

طبعا، تأسيس وإدارة وإنجاز مشروع بهذه الأهداف والحجم المحتمل يتطلب وجود كفاءات ذات الإبداع الفكري والتمكن في سياسات وأبعاد الأحداث والتطورات مع الشغف في تتبع مساراتها وتسلسلاتها. كما يتطلب توفر كفاءات مهنية لإدارته، وقدر من الاستثمار الذي يتناسب مع الطموحات على المدى القصير والطويل.

ومع الوقت، سوف تفرض أمثال هذه المؤسسات نفسها على الساحة الفكرية والبحثية والاستشارية، حيث ترجع إليها وتستشيرها وتطلب خدماتها حكومات ومؤسسات ومنظمات دولية ووسائل الإعلام ومراكز البحوث ومستثمرين، ما يضمن لها مصادر دخل، وبالتالي الديمومة والربحية.

وفى نفس الوقت، تساهم البحوث والدراسات والتحليلات والاستشارات والإنتاجات الفكرية التي تقدمها أمثال هذه المؤسسات في تغيير السرد السائد حول الشعوب المسلمة في نيجيريا وافريقيا، كون هذا السرد مبنيا اصلا على معلومات مضللة ومتلاعب بها من طرف جهات إعلامية وحقوقية ومؤسسات فكرية داخلية (من جنوب نيجيريا) وخارجية، بدوافع كيدية لتروجها وسائل الإعلام العالمية، وتتشربها الحكومات والمنظمات الدولية لتتشكل على أساسها بوليصتها للتعامل مع هذه الشعوب وقضاياها.

المُهِمُّ، كما أنه بإمكان الأفراد من هذه الشريحة الناطقة بالعربية توسيع رقعة طموحاتهم لتتجاوز حدود وظيفة التدريس في الجامعات والكليات التي تتمحور حولها طموحاتهم المهنية، طبعا هذا بدون الإخلال بحرمة مهنة التدريس. لأن هناك جهات فيدرالية - وزارة الخارجية مثلا - التي لا تتناسب نسبة ونفوذ موظفيها الناطقين بالعربية مع حجم المصالح التي تربط الدولة النيجيرية بالعالم العربي والمنظمات الإسلامية والمؤسسات التابعة لها التي تتمتع فيها نيجيريا بعضوية. فالمفروض أن يكون سفراء نيجيريا ودبلومسييها هناك من النخبة الناطقة باللغة العربية.


النخبة الناطقة بالعربية في نيجيريا بين محدوديّة الطموح ولامحدوديّة الفرص

محمد قدم صدق عيسى (Daddy) قد لا أبالغ إذا ادّعيت أن  الشريحة الناطقة باللغة العربية  في شمال نيجيريا أكبر حجما وأكثر شغفا باللغة من نظيراتها...